خطبة الجمعة : فضائل شعبان وبعض أحكامه
صفحة 1 من اصل 1
خطبة الجمعة : فضائل شعبان وبعض أحكامه
فضائل شعبان وبعض أحكامه
زهير الحميدي
التاريخ:-14 شعبان 1429هـ
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي ألهم أولي الألباب سبيل الرشد والصواب، أحمده سبحانه له الدنيا والآخرة وإليه المرجع والمآب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، خاتم النبيين وقدوة كل تقي أواب، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
وها قد مضى أيها الأحبة شهر رجب،وانتصف شهر شعبان، وفاز من فاز بالتقرب والاستعداد في رجب لرمضان، ودخل شعبان والناس عنه غافلة. ولنا مع هذا الشهر المبارك وقفات ننظر فيها حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحال سلف الأمة، الذين أمرنا بالاقتداء بهم، مع ذكر بعض فضائله وأحكامه.
عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ((ذاك شهر تغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)) [رواه النسائي]. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله يصوم ولا يفطر
حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في
نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان، [رواه الإمام أحمد].
ومن شدة محافظته - صلى الله عليه وسلم - على الصوم في شعبان أن أزواجه رضي الله عنهن، كن يقلن أنه يصوم شعبان كله، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستكمل صيام شهر غير رمضان، فهذه عائشة - رضي الله عنها - وعن أبيها تقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان. [رواه البخاري ومسلم].
ولشدة معاهدته - صلى الله عليه وسلم - للصيام في شعبان، قال بعض أهل العلم: إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور، وإن كان قد ورد النص أن شهر الله المحرم هو أفضل الصيام بعد رمضان، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) [رواه مسلم].
وعند النسائي بسند صحيح عن جندب بن سفيان - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن أفضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم)). وذكر أهل العلم حكما في تفضيل التطوع بالصيام في شعبان على غيره من الشهور: منها: أن أفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان، لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالنسبة للصلاة، فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه، ولذلك فإنك تجد رمضان يسبق بالصيام من شعبان والاستكثار منه ثم بعد انقضاء رمضان يسن صيام ست من شوال، فهي كالسنن الرواتب التي قبل وبعد الصلاة المفروضة.
ومن الحكم كذلك في الإكثار من صيام شعبان: ما تضمنه حديث أسامة بن زيد المتقدم ذكره وفيه قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فبين له - صلى الله عليه وسلم - سبب ذلك فقال له: ((ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان)) وماذا أيضا؟ قال: ((وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)). فهذا الحديث تضمن معنيين مهمين:
أحدهما: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان.
وثانيهما: أن الأعمال ترفع وتعرض على رب العالمين، فأما كون شعبان تغفل الناس عنه، فإن ذلك بسبب أنه بين شهرين عظيمين، وهما الشهر الحرام رجب، وشهر الصيام رمضان، فاشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر محرم، وهذا ليس بصحيح، فإن صيام شعبان أفضل من صيام رجب للأحاديث المتقدمة. وعليه فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعمره بالطاعة وبالصيام، ويقول لأسامه لما رآه مستفهما عن سبب الإكثار من الصيام في شعبان، ذاك شهر يغفل الناس فيه عنه بين رجب ورمضان، ولذلك قال أهل العلم: وهذه لفتة فتنبه
لها يا عبد الله قالوا: هذا فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن
ذلك محبوب لله - عز وجل - والأجور المترتبة على الاشتغال بالطاعات وقت غفلة الناس كثيرة ومتنوعة، فتعرضوا لنفحات الله، أيها الأحبة، وتلمسوا مرضاته.
ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القران، ليحصل التأهب لتلقي رمضان وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، ولهذه المعاني المتقدمة وغيرها كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك، ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من؟ هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولذلك فإن السلف كانوا يجدّون في شعبان، ويتهيأون فيه لرمضان قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القران، قال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان، وها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان إن كنت تريد رمضان، هذا حال نبيك وحال سلف الأمة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعك من هذه الأعمال والدرجات:
مضى رجب وما أحسنت فيـه *** وهذا شهر شـعبان المبـارك
فيـا من ضيع الأوقـات جهلا *** بحرمتها أفق واحـذر بوارك
فسـوف تفـارق اللذات قهـرا *** ويخلى الموت قهرا منك دارك
أقول قولي هذا واستغفر الله..
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام
أما بعد:
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)) [رواه الطبراني وابن حبان وهو حديث صحيح].
ولنا مع هذا الحديث الذي يتعلق بالنصف من شعبان أربع وقفات مهمة:
الأولى: أن الله يغفر فيها لكل عباده إلا المشرك فتفقد نفسك يا عبد الله، وفتش باطنها، فلعلك أن تكون مبتلى بشيء من هذه الشركيات المنتشرة في الأمة، ولا تظنن بنفسك خيرا بل فاتهمها في جانب الله وفي تقصيرها، ولا تقل أني بريء من الشركيات، ولا يمكن أن أقع فيها، .
الوقفة الثانية: خطورة الشحناء والبغضاء بين الناس، وأن الله لا يغفر للمتشاحنين، والشحناء هي: حقد المسلم على أخيه المسلم بغضا له لهوى في نفسه، لا لغرض شرعي ومندوحة دينية، فهذه تمنع المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة، كما في صحيح مسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - ا: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: انظروا هذين حتى يصطلحا))، وقد وصف الله المؤمنين عموما بأنهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم. قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو، فأقِل يا عبد الله حتى تُقال.
الوقفة الثالثة: إحياء بعض الناس لليلة النصف من شعبان، وبعضهم يصليها في جماعة ويحتفلون بأشياء وربما زينوا بيوتهم، وكل هذا من البدع المحدثة التي لم يفعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا صحبه ، وهم الحجة لمن أراد سواء السبيل وما ثبت في هذه الليلة من فضل هو ما قدمناه من أنك يجب عليك أن تحقق التوحيد الواجب، وتنأى بنفسك عن الشرك، وأن تصفح وتعفوا عمن بينك وبينه عداوة وشحناء،
الوقف الرابعة: أن لا يصوم الإنسان بعد منتصف شعبان بنية استقبال رمضان وحتى يحتاط لشهر رمضان بزعمه فإن هذا من التنطع والغلو في الدين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان)) فهذا الحديث وما في معناه للمتنطعين والمتشددين الذين يستقبلون رمضان بالصيام بنية الاحتياط لرمضان، فهذا منهي عنه، ولا يدخل في هذا أن يصوم الإنسان ما كان معتادا له من صيام الاثنين والخميس مثلا، أو ثلاثة أيام من كل شهر، أو القضاء، أو النذر. وما له تعلق بهذا أيضا، حرمة صيام يوم الشك قال عمار بن ياسر - رضي الله عنه -: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم. ويوم الشك هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أو من شعبان و هو يوم الثلاثين، فيحرم صومه بنية الاحتياط قال: - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه)) فهذا في الرجل الذي له عادة ويصومه بنية التطوع لا بنية الفرض، وأنه من رمضان أو بنية الاحتياط، فالنية هي الفيصل هنا، ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)).
اللهم بلغنا رمضان وتقبله منا واجعلنا ممن يصومونه ويقومونه وبارك لنا في شعبان واغفر لنا وارحمنا، اللهم إنا نسألك الهداية إلى طريقك المستقيم. اللهم إنا نسألك الثبات على الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ونعوذ بك من طريق أهل الجحيم من طريق المغضوب عليهم اليهود وطريق الضالين النصارى. اللهم إنا نسألك أن تثبت قلوبنا على دينك. اللهم ثبتنا على الإسلام وزدنا من الإيمان وانصرنا على الشيطان وعلى أعوان الشيطان واجعل لنا من لدنك سلطانًا نصيرًا.. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك ويُذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. لئن لم يغفر لنا ربنا ويرحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكَّرون. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
"والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"
زهير الحميدي
التاريخ:-14 شعبان 1429هـ
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي ألهم أولي الألباب سبيل الرشد والصواب، أحمده سبحانه له الدنيا والآخرة وإليه المرجع والمآب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، خاتم النبيين وقدوة كل تقي أواب، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
وها قد مضى أيها الأحبة شهر رجب،وانتصف شهر شعبان، وفاز من فاز بالتقرب والاستعداد في رجب لرمضان، ودخل شعبان والناس عنه غافلة. ولنا مع هذا الشهر المبارك وقفات ننظر فيها حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحال سلف الأمة، الذين أمرنا بالاقتداء بهم، مع ذكر بعض فضائله وأحكامه.
عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ((ذاك شهر تغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)) [رواه النسائي]. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله يصوم ولا يفطر
حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في
نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان، [رواه الإمام أحمد].
ومن شدة محافظته - صلى الله عليه وسلم - على الصوم في شعبان أن أزواجه رضي الله عنهن، كن يقلن أنه يصوم شعبان كله، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستكمل صيام شهر غير رمضان، فهذه عائشة - رضي الله عنها - وعن أبيها تقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان. [رواه البخاري ومسلم].
ولشدة معاهدته - صلى الله عليه وسلم - للصيام في شعبان، قال بعض أهل العلم: إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور، وإن كان قد ورد النص أن شهر الله المحرم هو أفضل الصيام بعد رمضان، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) [رواه مسلم].
وعند النسائي بسند صحيح عن جندب بن سفيان - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن أفضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم)). وذكر أهل العلم حكما في تفضيل التطوع بالصيام في شعبان على غيره من الشهور: منها: أن أفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان، لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالنسبة للصلاة، فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه، ولذلك فإنك تجد رمضان يسبق بالصيام من شعبان والاستكثار منه ثم بعد انقضاء رمضان يسن صيام ست من شوال، فهي كالسنن الرواتب التي قبل وبعد الصلاة المفروضة.
ومن الحكم كذلك في الإكثار من صيام شعبان: ما تضمنه حديث أسامة بن زيد المتقدم ذكره وفيه قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فبين له - صلى الله عليه وسلم - سبب ذلك فقال له: ((ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان)) وماذا أيضا؟ قال: ((وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)). فهذا الحديث تضمن معنيين مهمين:
أحدهما: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان.
وثانيهما: أن الأعمال ترفع وتعرض على رب العالمين، فأما كون شعبان تغفل الناس عنه، فإن ذلك بسبب أنه بين شهرين عظيمين، وهما الشهر الحرام رجب، وشهر الصيام رمضان، فاشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر محرم، وهذا ليس بصحيح، فإن صيام شعبان أفضل من صيام رجب للأحاديث المتقدمة. وعليه فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعمره بالطاعة وبالصيام، ويقول لأسامه لما رآه مستفهما عن سبب الإكثار من الصيام في شعبان، ذاك شهر يغفل الناس فيه عنه بين رجب ورمضان، ولذلك قال أهل العلم: وهذه لفتة فتنبه
لها يا عبد الله قالوا: هذا فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن
ذلك محبوب لله - عز وجل - والأجور المترتبة على الاشتغال بالطاعات وقت غفلة الناس كثيرة ومتنوعة، فتعرضوا لنفحات الله، أيها الأحبة، وتلمسوا مرضاته.
ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القران، ليحصل التأهب لتلقي رمضان وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، ولهذه المعاني المتقدمة وغيرها كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك، ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من؟ هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولذلك فإن السلف كانوا يجدّون في شعبان، ويتهيأون فيه لرمضان قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القران، قال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان، وها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان إن كنت تريد رمضان، هذا حال نبيك وحال سلف الأمة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعك من هذه الأعمال والدرجات:
مضى رجب وما أحسنت فيـه *** وهذا شهر شـعبان المبـارك
فيـا من ضيع الأوقـات جهلا *** بحرمتها أفق واحـذر بوارك
فسـوف تفـارق اللذات قهـرا *** ويخلى الموت قهرا منك دارك
أقول قولي هذا واستغفر الله..
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام
أما بعد:
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)) [رواه الطبراني وابن حبان وهو حديث صحيح].
ولنا مع هذا الحديث الذي يتعلق بالنصف من شعبان أربع وقفات مهمة:
الأولى: أن الله يغفر فيها لكل عباده إلا المشرك فتفقد نفسك يا عبد الله، وفتش باطنها، فلعلك أن تكون مبتلى بشيء من هذه الشركيات المنتشرة في الأمة، ولا تظنن بنفسك خيرا بل فاتهمها في جانب الله وفي تقصيرها، ولا تقل أني بريء من الشركيات، ولا يمكن أن أقع فيها، .
الوقفة الثانية: خطورة الشحناء والبغضاء بين الناس، وأن الله لا يغفر للمتشاحنين، والشحناء هي: حقد المسلم على أخيه المسلم بغضا له لهوى في نفسه، لا لغرض شرعي ومندوحة دينية، فهذه تمنع المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة، كما في صحيح مسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - ا: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: انظروا هذين حتى يصطلحا))، وقد وصف الله المؤمنين عموما بأنهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم. قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو، فأقِل يا عبد الله حتى تُقال.
الوقفة الثالثة: إحياء بعض الناس لليلة النصف من شعبان، وبعضهم يصليها في جماعة ويحتفلون بأشياء وربما زينوا بيوتهم، وكل هذا من البدع المحدثة التي لم يفعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا صحبه ، وهم الحجة لمن أراد سواء السبيل وما ثبت في هذه الليلة من فضل هو ما قدمناه من أنك يجب عليك أن تحقق التوحيد الواجب، وتنأى بنفسك عن الشرك، وأن تصفح وتعفوا عمن بينك وبينه عداوة وشحناء،
الوقف الرابعة: أن لا يصوم الإنسان بعد منتصف شعبان بنية استقبال رمضان وحتى يحتاط لشهر رمضان بزعمه فإن هذا من التنطع والغلو في الدين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان)) فهذا الحديث وما في معناه للمتنطعين والمتشددين الذين يستقبلون رمضان بالصيام بنية الاحتياط لرمضان، فهذا منهي عنه، ولا يدخل في هذا أن يصوم الإنسان ما كان معتادا له من صيام الاثنين والخميس مثلا، أو ثلاثة أيام من كل شهر، أو القضاء، أو النذر. وما له تعلق بهذا أيضا، حرمة صيام يوم الشك قال عمار بن ياسر - رضي الله عنه -: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم. ويوم الشك هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أو من شعبان و هو يوم الثلاثين، فيحرم صومه بنية الاحتياط قال: - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه)) فهذا في الرجل الذي له عادة ويصومه بنية التطوع لا بنية الفرض، وأنه من رمضان أو بنية الاحتياط، فالنية هي الفيصل هنا، ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)).
اللهم بلغنا رمضان وتقبله منا واجعلنا ممن يصومونه ويقومونه وبارك لنا في شعبان واغفر لنا وارحمنا، اللهم إنا نسألك الهداية إلى طريقك المستقيم. اللهم إنا نسألك الثبات على الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ونعوذ بك من طريق أهل الجحيم من طريق المغضوب عليهم اليهود وطريق الضالين النصارى. اللهم إنا نسألك أن تثبت قلوبنا على دينك. اللهم ثبتنا على الإسلام وزدنا من الإيمان وانصرنا على الشيطان وعلى أعوان الشيطان واجعل لنا من لدنك سلطانًا نصيرًا.. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك ويُذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. لئن لم يغفر لنا ربنا ويرحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكَّرون. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
"والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"
أبو مسلمعضو مشارك
-
عدد الرسائل : 61
العمر : 44
تاريخ التسجيل : 07/12/2007
مواضيع مماثلة
» خطبة الجمعة : لا تكن إمّعة
» خطبة الجمعة : الإحسان
» خطبة الجمعة : إستقبال شهر رمضان
» خطبة الجمعة : التوبة في رمضان
» خطبة الجمعة : نصرة النبي
» خطبة الجمعة : الإحسان
» خطبة الجمعة : إستقبال شهر رمضان
» خطبة الجمعة : التوبة في رمضان
» خطبة الجمعة : نصرة النبي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى